السمنة مشكلة صحية عالمية متصاعدة، لكنها تؤثر بشكل خاص على بعض المجموعات الديموغرافية والوسط العربي في إسرائيل من بين هذه المجموعات التي تُظهر معدلات أعلى في بعض الفئات العمرية والجندرية.
في هذا المقال نحاول تقديم لمحة عامة عن الأرقام الرسمية، أسباب الظاهرة، العادات والتقاليد التي تؤثر عليها، كيفية توجه الناس للعلاج وأنواع العلاجات المتاحة والمفضلة في الوسط العربي، مع اقتراحات عملية للتعامل مع المشكلة.
بيانات المسح الوطني للصحة (INHIS-4، 2018–2020) تُشير إلى أن نسبة البالغين المصابين بالوزن الزائد أو السمنة أعلى بين العرب مقارنة باليهود؛ النسبة الإجمالية للسمنة او لزيادة الوزن كانت أعلى في المجتمع العربي مقارنة مع باقي فئات المجتمع. دراسات وباحثون وجدوا فروقات واضحة حسب الجنس والعمر، حيث ان نسب السمنة المرتفعة بين النساء بشكل عام ولدى النساء العربيات في الفئات العمرية الوسطى وكبيرة السن (مثلاً نسب تصل لدرجات عالية في فئة 45–64) بشكل خاص. هذه الصورة تتكرر في تحليلات متعددة وتشير إلى فجوات صحية بين المجموعتين.
بالإضافة إلى ذلك، تُظهر تقارير محلية أن معدلات السكري والتعقيدات والوفيات المرتبطة به أعلى أيضاً بين العرب، وهو أمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بانتشار السمنة خاصة بمرض السكري من النوع الثاني.
من اهم الاسباب لانتشار ظاهرة السمنة في المجتمع العربي هو تغير أنماط الغذاء (التحول الغذائي) الانتقال من أنماط غذاء تقليدية (مبنية في الاساس على الاغذية الطبيعية) إلى أطعمة عالية السعرات والدهون والسكريات مع توفر أطعمة مصنّعة وانتشارها بشكل كبير في البلدات والقرى العربية بالاضافة الى قلة النشاط البدني لدى فئات معينة، خصوصاً بين النساء في مناطق محددة، نتيجة عوامل اجتماعية وبنية تحتية (قلة أماكن المشي/رياضة ملائمة). أضف الى ان هناك العديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل الفقر، التثقيف الصحي المحدود، وضغوط الحياة تؤثر على الخيارات الغذائية والقدرة على الالتزام بخطط نمط حياة صحي، ناهيك عن الضيافة والمأكولات التقليدية (كميات كبيره من الطعام في المناسبات)، الموائد المحتشدة بالأطباق الغنية والزيوت والسمن في الأعراس والمناسبات قد تسهم في استهلاك سعرات مرتفعة.
بالاضافة الى ان هناك عوامل طبية ووراثية وميل جيني لعوامل استقلابية يسهِم بعضها في زيادة القابلية للسمنة عند التعرض لعوامل بيئية.
في السنوات الاخيرة هناك أربعة خيارات اساسية لعلاج السمنة الزائدة
اولا التغييرات في نمط الحياة (الحمية والتمارين) النهج الأولي والأكثر انتشاراً: حميات غذائية موضعية، برامج نشاط بدني، مجموعات دعم محلية أو عبر مراكز صحية. ومع ذلك، تقارير تشير إلى أن الالتزام طويل الأمد منخفض لدى فئات كبيرة لأسباب اجتماعية واقتصادية.
ثانيا أدوية فقدان الوزن مثل الأدوية الحديثة لعلاج البدانة متاحة عبر النظام الصحي وأحياناً بوصفة خاصة، لكن الانتشار والاستخدام يعتمد على الوصول إلى خدمات الرعاية، الوعي، والتكلفة وتغطية التأمين. لا توجد حتى الآن بيانات عامة مفصّلة منشورة تبين بالضبط نسبة استخدام هذه الأدوية تحديداً في الوسط العربي مقابل غيره، لكن الاتجاه العالمي يتزايد نحو استخدام ادوية فعّالة.
ثالثا جراحات السمنة تُجرى في إسرائيل وبأعداد متزايدة؛ تُعتبر خياراً للبؤر التي تستوفي معايير السمنة المفرطة وفشل العلاجات المحافظة. هناك دراسات إسرائيلية قارنت نتائج ما بعد الجراحة بين اليهود والعرب وأظهرت اهتماماً بحثياً بالاختلافات والتجارب حولها. كما أشارت أبحاث إلى وجود وصمة (stigma) تتعلق بالوزن وفي أحيان كثيرة تؤثر على تجربة المريض في المتابعة والولوج للخدمات. ورابعا علاجات تقليدية ومكملات، بعض الأشخاص يتجهون لاستخدام مكملات أعشاب، حبوب إنقاص وزن غير موثوقة، أو حمية شعبية وهو توجه موجود أيضاً بين مجتمعات عربية عالمياً. هذا قد يعود إلى سهولة الوصول، التكلفة أو الثقة بالتجارب المحلية.
ما الذي يفضّله الوسط العربي في إسرائيل؟
التوجه الأولي عادةً إلى تغييرات نمط الحياة والخيارات المنزلية (التجربة الفردية أو مجموعات مجتمعية)، خاصة للذين لا تتوفر لديهم معرفة أو مصادر للخيارات الطبية المتقدمة. تقارير محلية تشير أيضاً إلى أن جودة الخدمات والالتزام بالمتابعة قد تكون أقل في بعض المناطق العربية، مما يؤثر في نتائج العلاجات.
في الفترة الاخيرة نرى ازدياد كبير جدا في التوجه للعلاجات بالادوية خاصة بحقن التنحيف اما ضمن برامج معينة او عن طريق الاستخدام الذاتي، جراحة السمنة متاحة وتشهد طلباً، لكن الوصول إليها يتأثر بمعوقات معرفية، نظرة المجتع اجتماعية، وأحياناً عراقيل نظامية/اقتصادية
رغم وجود هذه العلاجات الا ان هناك تحديات يواجهها المجتمع العربي فهناك فجوات في الوصول وجودة الرعاية، تباينات جغرافية واجتماعية واقتصادية تؤثر على إمكانية الوصول لبرامج إدارة الوزن المتكاملة.
أضف الى ان الخجل والوصمة من الوزن (Weight stigma) تؤثر على الرغبة في طلب المساعدة وتلقّي الرعاية بفعالية. بالاضافة الى نقص التثقيف الصحي من البرامج العامة التي قد لا تراعي خصوصيات العادات والتقاليد، ما يقلّل من فاعليتها.
من هنا ندعو بهذا المقال الى اتخاذ تدابير عملية من شانها تحسين مؤشرات السمنة في المجتمع العربي ومن ضمنها:
- برامج توعية مكيّفة ثقافياً: تصميم رسائل وتدخلات تراعي اللغة، العادات، وأنماط الضيافة المحلية.
- تعزيز البنية التحتية للنشاط البدني: مسارات مشي، نوادٍ نسائية، وبرامج نشاط في المدارس والمراكز المجتمعية.
- تكامل خدمات الرعاية: تدريب أطباء الأسرة على إدارة السمنة (التعريف بالمؤشرات، متى تحال للجراحة، متى توصف أدوية)، دراسات محلية أشارت إلى فجوات في معرفة الأطباء وحاجتهم لتدريب إضافي.
- مكافحة الوصمة: برامج توعية مهنية لمقدمي الرعاية لتقليل التحيز وتحسين تجربة المرضى.
اخيرا السمنة في الوسط العربي في إسرائيل مسألة متعددة الأبعاد: مزيج من عوامل بيئية، اجتماعية، ثقافية وطبية. الإحصاءات الرسمية (مثل INHIS-4) والدراسات البحثية تؤكد وجود فجوات وارتفاعات في نسب السمنة، خاصة بين النساء وكبار السن. مواجهة المشكلة تتطلب تدخلات متكاملة تراعي الحساسيات الثقافية، تحسين الوصول إلى خدمات طبية فعّالة (من برامج نمط الحياة إلى الجراحة عند الحاجة)، ومعالجة الوصمة لتشجيع الناس على طلب المساعدة والمتابعة.
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق