الجليل بجباله الهائمة ليس هو مجرّد بقعة على خارطة ، بل هو قلب نابض في جسد الوطن ، وهو الحرف الأول في قصة الانتماء.... إن حكى الجليل نطق بالحقيقة ، ودوّى صوته في فضاءات التاريخ ، كأنه الراوي الأصيل لِما لم يُكتب ، وما طوته الرّياح بين الأغصان والعروش.
في الجليل يا صديقي كل حجر له اسم ، وكل شجرة تعرف من غرسها ، وكل درب مشتهى لأقدام الأنبياء والعاشقين . بل هو الأرض التي مشت عليها مريم العذراء فغمرته بالطّهر والقداسة ، وباركها السيّد المسيح فزنّرها بعجائبه ولوّنها بقداسته .
الجليل إن حكى .... سيحكي عن الينابيع التي لم تيأس ، وعن البيوت التي رغم الزّمن ما زالت تفتح نوافذها كل صباح ، لتضحك في وجه الشمس . هناك البلدات تحفظ أسماءها كأنها تراتيل ، وتُردّدها الأمهات للأطفال قبل النوم : سخنين ، عبلين ، شفاعمرو ، طمرة ، كفر كنا ، المغار، ترشيحا، معليا ، وبيت جن... و....
في الجليل ، الكلمة سلاح ، والقصيدة سارية علم ، والمدرسة حصن منيع .
هناك وعلى سفوحه يُكتب الشعر من وهجِ الشّمس، وتُلقى القصائدُ من فوق صخورِ الحقيقة ، ويصنعُ الإنسانُ كرامتَه من عرقِه ودمِه وكبريائِه .
وإن صدف وسألته عن المحبّة قال بالفم الملآن : المحبة هنا ليست خَيارًا بل هو الهواء الذي نستنشقه .
وإن سألته عن الخوف أجاب ضاحكًا : نحن نزرع الشجاعة في الحقول، ونعلّمها للأولاد مع الحروف الأبجدية .
الجليل إن حكى ، بكى البحرُ من دفء صوته ، وخجلت الجبال من عنفوانه ، وسكنت الطيور على الأشجار تسمع من فمه نشيد البقاء ، ورفعت الزّنابق رأسها شممًا وهي تُردّد : من هنا مرّ يسوع ..
نعم جليلنا هو الجذر الذي لا يموت ، وهو التراب الذي لا يُباع ، والذاكرة التي لا تنام .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com