قال الدكتور اياد الحلاق استاذ علم النفس – معالج نفسي واسري – دائرة علم النفس - جامعة القدس "لقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا مقلقًا في ظاهرة الاعتداء على المعلمين داخل مدارس القدس، حيث باتت الحوادث التي كان يُنظر إليها سابقًا كاستثناءات فردية مشاهد تتكرر بأشكال مؤلمة ومهينة".
واضاف في تصريح صحفي "لقد طالت الاعتداءات مختلف الجوانب الإنسانية والمهنية للمعلم، وتنوّعت بين السبّ والشتم والتنمر على المظهر واللباس، وصولاً إلى اعتداءات جسدية خطيرة استخدمت فيها أدوات حادة كالأقلام والشفرات. وتابع د. الحلاق "لقد بلغ الأمر حدَّ إدخال إحدى المعلمات إلى المستشفى بعد تعرضها لهجوم من طالب خلّف جروحًا عميقة في الساقين والكتف، مما أثار موجة عارمة من الخوف بين المعلمين وشكوكًا حول مدى توفر بيئة تعليمية آمنة قادرة على حمايتهم".
ويرى الحلاق ان الاعتداءات الجسدية تعدّ من أخطر الأشكال التي شهدتها المدارس، إذ شملت الضرب بالأيدي والأرجل، والدفع والركل داخل الصفوف في ساحات المدرسة، إضافةً إلى استخدام أدوات كالعصي والحجارة والأدوات المدرسية لإيذاء المعلمين، بل ووصلت في بعض الحالات إلى تمزيق ملابس المعلم أو محاولة خنقه. وقال "هذه الاعتداءات ليست مجرد سلوكيات منفلتة؛ بل إشارة واضحة إلى انحدار مفزع في احترام السلطة التربوية".
ويعتقد الحلاق ان الاعتداءات تتعدّى حدود الجسد إلى ما هو أبعد وأكثر قسوة؛ إذ رصدت المدارس اعتداءات تمسّ كرامة المعلم وصورته الاجتماعية، وهي اعتداءات تفضح تراجعًا مقلقًا في قيم الطلبة وأخلاقهم. فقد مورست أشكال مختلفة من الترهيب والتهديد المستمر، ونُشرت شائعات مقصودة للنيل من سمعة المعلم وهيبته. كما لجأ بعض الطلبة إلى تجاهل تعليماته بقصد إحراجه، وإحداث الفوضى المتعمدة لزعزعة مكانته داخل الصف، إضافة إلى الاستفزاز المقصود لإثارة غضبه.
الاعتداء اللفظي لا يقلّ انتشارًا وتأثيرًا
واوضح الحلاق ان الاعتداء اللفظي لا يقلّ انتشارًا وتأثيرًا، حيث تتكرر الشتائم المباشرة والإهانات الشخصية والعرقية والدينية، ناهيك عن السخرية من مظهر المعلم أو لهجته أو طريقته في التدريس، والتهديد بالتشهير أو الاعتداء، ورفع الصوت بأسلوب عدائي يستهدف تحطيم معنوياته.
واشار الى انه مع اتساع رقعة التكنولوجيا، ارتفع منحنى الاعتداء الإلكتروني ليشكّل جبهة جديدة من الإيذاء، حيث يُصوَّر المعلم خلسة وينشر عبر منصات التواصل الاجتماعي للسخرية وجمع التفاعل. كما تُنشأ مجموعات وصفحات مخصّصة للهجوم عليه، وتُرسل الرسائل المسيئة عبر التطبيقات المختلفة. وظهرت أساليب أكثر خطورة، كإنتاج مقاطع ساخرة أو نشر معلومات شخصية أو مفبركة بهدف التشهير والإساءة.
وقال الحلاق ان الامر لم يقف عند الطلبة، إذ تزايدت الاعتداءات الصادرة عن أولياء الأمور، سواء من خلال الهجوم اللفظي أثناء الاجتماعات المدرسية، أو عبر التهديد والمضايقات الهاتفية، أو الضغط والابتزاز لرفع علامات الأبناء. لافتا ان الأمر وصل في بعض الحالات إلى الاعتداء الجسدي أثناء الحضور للمدرسة. وتبرز خطورة هذه الظاهرة حين يتحوّل الأهل إلى مظلة حماية لسلوكيات أبنائهم العدوانية، بدلاً من أن يكونوا شريكًا في التربية والانضباط.
وعزا الحلاق هذه الظاهرة المتفاقمة إلى مجموعة معقدة من العوامل؛ وقال ان بعض الطلبة يعانون أصلًا من اضطرابات سلوكية ونفسية مثل اضطراب التحدي والاضطراب السلوكي، ما يستدعي رعاية مهنية خاصة. كما تلعب البيئة المدرسية دورًا في تغذية العنف، لا سيما حين يغيب الإرشاد النفسي والأنشطة التي تسمح للطلبة بالتعبير عن ذواتهم والشعور بالأمان. ويضاف إلى ذلك طبيعة العلاقة بين الطالب والمعلم، إذ قد يستخدم بعض المعلمين أساليب قاسية أو ساخرة، أو يفتقرون إلى مهارات التواصل وبناء علاقة قائمة على الاحترام والثقة.
ويعتقد الحلاق ان جذور المشكلة تمتد أيضًا إلى ضعف إدارة الصف وغياب القوانين الواضحة، أو عدم تطبيقها بعدالة، إضافة إلى اعتماد أساليب تدريس تقليدية تخلق بيئة تعليمية متوترة وغير محفّزة، مما يسهّل اشتعال المواقف العدوانية.
وخلص الحلاق للقول "إن الاعتداء على المعلمين ليس مجرد حالات فردية؛ بل هي ظاهرة تشير إلى أزمة قيم، وأزمة تواصل، وأزمة أنظمة تربوية تحتاج إلى مراجعة جذرية. فالمعلم الذي يُفترض أن يكون حجر الأساس في العملية التعليمية، بات اليوم أكثر عرضة للخطر، وأكثر حاجة للحماية والدعم وإعادة الاعتبار."
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق