في مقابلة خاصة مع موقع "بكرا"، يرى المحلل السياسي الإسرائيلي دان بيري أن نتائج الانتخابات المقبلة في إسرائيل قد تتوقف على نسبة تصويت المواطنين العرب، مشيرًا إلى أن استمرار اليمين في الحكم سيقود البلاد إلى "انهيار داخلي وتحولها إلى دولة ثنائية القومية غير ديمقراطية".

يقول بيري في مستهل حديثه: "يعتمد ما يتوقعه الإسرائيلي من العرب على نوع هذا الإسرائيلي. فالمؤمن باليمين يأمل ألا يصوّت العرب إطلاقًا، أما من ينتمي إلى التيار الساعي للتغيير ولإسقاط حكومة اليمين والائتلاف مع الحريديم، فيرجو ويتوسل ويصلّي أن يصوّت العرب على الأقل بنسبة مساوية لليهود، إن لم تكن أعلى. لو كنت عربيًا إسرائيليًا يهمه مستقبل الدولة، لصوتّ بالتأكيد، لأن الجميع يعانون من اليمين، والعرب هم أول المتضررين".

اليمين والتهديد

وأوضح بيري أن مستقبل "التسامح والمساواة والشراكة" في إسرائيل مرتبط مباشرة بتغيير سياسي شامل، مضيفًا: "إن لم يحدث هذا التغيير، فلن تكون هناك إسرائيل كما نعرفها اليوم".

وعندما سُئل عن سبب اعتقاده بأن إسرائيل مهددة في حال بقاء اليمين في الحكم، أجاب بيري بحزم: "إذا استمر اليمين في الحكم فلن تكون هناك إسرائيل. لأن استمرار السيطرة على الأراضي المحتلة، ورفض الانفصال عنها، يجعل من إسرائيل دولة ثنائية القومية بالكامل – نصفها عرب ونصفها يهود – دون أن يتمتع العرب بحقوق متساوية. دولة كهذه لا يمكن أن تكون ديمقراطية، ولن تكون دولة يهودية ولا صهيونية، بل دولة في صراع دائم مع نفسها ومع العالم".

وأشار بيري إلى أن تحالف اليمين مع الحريديم يمثل "قنبلة موقوتة داخل المجتمع اليهودي"، وقال: "سدس السكان من الحريديم يرفضون تعليم أبنائهم الرياضيات والعلوم، ونسبة مشاركتهم في سوق العمل منخفضة جدًا. يعيشون على الإعانات الحكومية، ومع معدل ولادة عالٍ جدًا، سيشكلون خلال 20 عامًا ثلث السكان. هؤلاء يرفضون الخدمة العسكرية ويعتمدون على الآخرين اقتصاديًا، ما يعني أن الطبقة المنتجة في إسرائيل ستبدأ بالهجرة، لتتحول البلاد إلى مجتمع متخلف بائس تهيمن عليه الأصولية الدينية واليمين المتشدد".

اليسار والوسط الإسرائيلي والحلول السياسية

وفي حديثه عن اليسار والوسط في إسرائيل، أوضح بيري أن قادة مثل يائير لابيد، غانتس، أيزنكوت، وحتى ليبرمان، قد يكونون مستعدين مستقبلًا لبحث حل سياسي وتقسيم الأراضي "عندما تزول تهديدات حماس ويصبح الوضع الفلسطيني أكثر اعتدالًا"، مؤكدًا أن ذلك ممكن فقط في ظل استقرار سياسي جديد، وليس في ظل استمرار اليمين.

وأضاف: "في اليوم الذي يشعر فيه الإسرائيليون، يهودًا وعربًا، بأن الانسحاب من الأراضي لن يجلب حماس أو داعش إلى الحدود، سيكون بالإمكان مناقشة دولة فلسطينية منزوعة السلاح وتبادل أراضٍ يحقق توازنًا حقيقيًا في الضفة الغربية. لكن اليمين لن يقبل بهذا أبدًا، ولذلك مصير إسرائيل مرتبط بانتهاء هذا النهج".

وتطرّق بيري إلى دور المواطنين العرب في الانتخابات، فقال: "إذا كنت عربيًا وتكره إسرائيل، فربما ستصوّت لليمين لأنه سيقود إلى تدمير الدولة. لكن إذا كنت عربيًا يحب العيش المشترك ويؤمن بالديمقراطية، فعليك أن تصوّت لإنقاذ الدولة من اليمين. التصويت لليسار أو للوسط ليس فقط أفضل للعرب، بل هو أيضًا السبيل الوحيد لإنقاذ إسرائيل نفسها".

وأضاف: "سؤالي للعرب في إسرائيل هو: هل تريدون فعلًا أن تكونوا إسرائيليين؟ إذا نظرنا إلى الأقليات في أوروبا – مثل الأقلية المجرية في رومانيا – فهم يقولون بوضوح: نحن رومان. هذا ما أود أن أسمعه من العرب هنا".

ورغم ذلك، يؤكد بيري أن الدولة نفسها يجب أن تكون "جديرة بالانتماء"، موضحًا: "من السهل أن يأتي يهودي إلى الناصرة ويقول كم أن العرب مظلومون، لكن يمكن أيضًا رؤية النصف الممتلئ من الكأس. إسرائيل ليست كاملة، لكنها ليست دولة شريرة بالكامل. المطلوب هو تطوير انتماء متبادل قائم على المسؤولية، لا على الشكوى".

المخاوف من العرب

وعن مخاوف اليهود من العرب كـ"طابور خامس"، قال بيري: "أنا أفهم هذه المخاوف. إسرائيل في حالة حرب دائمة تقريبًا مع دول عربية محيطة، ومن الطبيعي أن يخشى اليهود أن يشعر العرب داخل إسرائيل بالقرب من أعداء الدولة. هذا احتمال قائم منطقياً. لكني أقول بوضوح: الغالبية الساحقة من العرب في إسرائيل لم تتصرف كطابور خامس رغم هذا الوضع الغريب، بل ظلوا مرتبطين بواقعهم المحلي".

وردًا على تصريحات وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش بأن "الخوف هو ما يمنع العرب من التمرد"، قال بيري: "الخوف ليس السبب. هناك أساس حقيقي لشعور متنامٍ بالانتماء والوحدة، وآمل أن ينجح هذا الاتجاه في الاستمرار".

الأنقسام بين الأحزاب العربية 

أما بشأن الخريطة الحزبية العربية، فاعتبر بيري أن الانقسام هو الخطر الأكبر، وقال: "الأهم أن لا تضيع الأصوات. في الانتخابات السابقة خسر العرب نحو 138 ألف صوت بسبب الانقسام ونسبة الحسم. إذا تكرّر هذا السيناريو، فسنخسر فرصة حقيقية لتغيير المعادلة السياسية في البلاد".

وعن احتمالات قيادة القائمة المشتركة، قال: "المشكلة كانت في حزب بلد، لأنه حزب قومي متطرف لا يُظهر ولاءً للدولة، وأحيانًا يعبّر عن مواقف قريبة من حماس. لذلك من الصعب إشراكه في أي ائتلاف. أما أيمن عودة ومنصور عباس، فهما متشابهان إلى حد كبير. الفارق بينهما ليس في الشرعية، بل في اللغة فقط".

وأضاف بيري: "هناك مفارقة مثيرة: الحركة الإسلامية، رغم حساسيتها عند اليهود، يقودها شخص مثل منصور عباس قال بوضوح إنه يريد أن يكون جزءًا من الدولة. هذا التصريح يجعل اليهود يشعرون بالأمل. لقد كان عباس في الائتلاف، تصرّف بمسؤولية، ولم يخنه كما فعلت شخصيات يهودية مثل عيديت سيلمان. بصراحة، نحتاج إلى مزيد من اليهود في السياسة يتصرفون مثل منصور عباس".

وختم دان بيري حديثه لـ"بكرا" بالقول:"مستقبل إسرائيل لا يُحدده اليمين ولا اليسار فقط، بل يحدده العرب أيضًا. إذا شاركوا بقوة في الانتخابات، يمكن إنقاذ الدولة من التطرّف، أما إذا امتنعوا، فلن يكون هناك ما يُنقذ."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com