بقلم: رانية مرجية

في هذا العالم المزدحم بالضجيج، المزدحم بالحدود والأسلاك، وبالأفكار التي تصرّ على أن تفرّق أكثر مما تجمع، أجد نفسي أعود إلى سؤال بسيط وعميق في آنٍ واحد:

هل يمكن للإنسان أن يرى الله في وجه إنسان آخر، مهما اختلف عنه؟

كنت أتأمل ذات صباح في آيتين؛ واحدة من القرآن الكريم تقول:

“وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا.”
وأخرى من الإنجيل حسب متّى تقول:
“فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ، افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ.”

تبدو الآيتان وكأنهما نغمتان من لحنٍ واحد، يعبّران عن تلك الحقيقة الغائبة: أن جوهر الأديان ليس في النصوص الجامدة، بل في الطريقة التي نحيا بها تلك النصوص. فالله لا يسكن الحروف، بل يسكن القلوب التي تعرف أن تحب.

بين الدين والإنسان

كم من مرةٍ خضنا فيها حروبًا باسم الإيمان، ونسينا أن الله لم يخلقنا لنقاتل عنه بل لنعرفه من خلال بعضنا. الدين ليس جدارًا يفصلنا، بل نافذة نطلّ منها على معنى أوسع للإنسان.

ألم يقل النبي محمد عليه الصلاة والسلام: “الخلق كلهم عيال الله، فأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله.”؟

وألم يقل المسيح: “أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم.”؟

هاتان الجملتان وحدهما كفيلتان بأن تُسكتا كل مدافع الأرض، لو أننا أنصتنا بصدق.

جراح الأرض واحدة

أرى في الأخبار أطفالًا من غزة وسوريا وأوكرانيا وجنوب السودان، يحملون الخوف ذاته في عيونهم. أمهات يودّعن أبناءهن بالكلمات ذاتها وإن اختلفت اللغة.

الدم لا يسأل صاحبه عن دينه، والدمعة لا تُترجم قبل أن تسقط.

لماذا إذًا نصرّ على أن نصنع من الاختلاف سلاحًا بدل أن نجعل منه زهرة؟

الإنسان هو الرسالة

تعلمت من الحياة أن الإيمان ليس ما نحمله في عقولنا، بل ما نمارسه في صمتنا حين لا يرانا أحد.

حين نمدّ يدنا لجائع، أو نصغي لآلام غريب، أو نختار أن نغفر بدل أن ننتقم — هناك فقط نصبح مؤمنين حقًا.

لقد تعب العالم من الشعارات. تعب من الكلمات التي تتحدث عن السلام ولا تمشي في طرقاته.

العالم يحتاج إلى قلوبٍ تجرؤ أن تحب رغم الخوف، أن تصغي رغم الاختلاف، أن تبني رغم الدمار.

حين يلتقي النور بالنور

حين يجلس المسلم بجانب المسيحي، واليهودي بجانب البوذي، ويتحدثون لا عن عقائدهم بل عن إنسانيتهم، يكتشفون شيئًا مدهشًا:

أنهم يتحدثون اللغة ذاتها — لغة النور.

فكل دينٍ عظيم هو في جوهره محاولة إنسانية للعودة إلى النبع الأول، إلى تلك اللحظة التي قال فيها الله: “كن.”

وفي تلك الكلمة كان الحب، وكان الإنسان.

ختامًا

نحن لا نحتاج إلى إيمان جديد، بل إلى قلبٍ جديد.

إلى شجاعةٍ تجعلنا نقول للآخر: “أراك، وأحبك رغم اختلافنا.”

حين نصل إلى هذه النقطة، سيغدو العالم بيتًا واحدًا، تصلي جدرانه بلغاتٍ شتى، لكنها تردد المعنى ذاته:

السلام.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com