يشهد هذا الصيف موجة حر شديدة، مع ارتفاع مستمر في درجات الحرارة وكسر أرقام قياسية، لا تقتصر آثارها على الشعور بعدم الراحة، بل تمتد لتؤثر مباشرة على الدماغ والجهاز العصبي، وقدرة الإنسان على التركيز واتخاذ القرارات، بل وحتى على الأجواء المنزلية.

تأثير الحرارة على الدماغ والجهاز العصبي

يشرح د. مجد زايد، أخصائي أعصاب في مراكز أسوتا الطبية، أن "الدماغ والجهاز العصبي لا يتحملان الحرارة العالية"، موضحًا أن التأثير يختلف بحسب شدة ووتيرة ارتفاع الحرارة ومدة التعرض لها. ويضيف: "في الدماغ يوجد مركز صغير يُسمى تحت المهاد (Hypothalamus) مسؤول عن تنظيم حرارة الجسم والوظائف الفسيولوجية الأخرى. عندما ترتفع الحرارة، يتضرر هذا المركز ويُضعف حاجز الدم-الدماغ، وهو نوع من الفلتر الحيوي الذي يمنع مرور الفيروسات والبروتينات غير الطبيعية والبكتيريا والأملاح الزائدة إلى أنسجة الدماغ. عند اختراق هذا الحاجز، يمكن للجسيمات الضارة أن تدخل الدماغ بحرية وتتسبب في عمليات التهابية وعدوى."

ويشير د. زايد أيضًا إلى أن الحرارة تسبب ما يُعرف بـ"الإجهاد التأكسدي"، حيث تتكون جذور حرة ضارة بخلايا الجسم، خصوصًا خلايا الأعصاب، ما قد يؤدي إلى أعراض خطيرة: "الحرارة قد تسبب ارتباكًا، قلقًا، فقدان التوجيه، صداعًا، دوارًا، فقدان التوازن أثناء المشي، وأحيانًا هلوسة، تشنجات، فقدان الوعي، وضربة حرارة قد تؤدي إلى وذمة دماغية تستدعي علاجًا عاجلًا."

الجانب النفسي والاجتماعي للحرارة

من جانبها، تؤكد د. عيديت غوتمان، أخصائية نفسية إكلينيكية بجامعة تل أبيب، أن الحرارة تشكل ضغطًا نفسيًا ممتدًا يشبه الشعور بالازدحام أو الألم المزمن: "نحن نُجهد عاطفيًا، نشعر بمشاعر سلبية، وحتى إذا بقينا في المنزل بعيدًا عن الشمس، قد نشعر بالاحتجاز والملل وزيادة التوتر الأسري."

وتوضح أن الحرارة تؤثر على الوظائف التنفيذية للدماغ والقدرة على ضبط النفس: "من الصعب التفكير، وتتأثر القدرات المعرفية وحل المشكلات. الدراسات أظهرت أن الفصول الدراسية غير المكيفة أو ذات الرطوبة العالية تحقق درجات أقل مقارنة بالفصول ذات الظروف الملائمة."

تأثير الحرارة على النوم والأداء العقلي

د. يوآف ماه توف، باحث دماغ بالجامعة العبرية وجامعة شبتاحي، يوضح أن الحرارة تؤثر بشكل مباشر على جودة النوم: "كل ارتفاع في درجة الحرارة يقلل من مدة النوم ويضعف جودته. وبما أن النوم أساسي لوظائف الدماغ، فإن تراجع جودته يؤدي إلى انخفاض الأداء المعرفي في الذاكرة، سرعة الاستجابة، القدرة على التركيز، وحتى الحسابات البسيطة."

نصائح الخبراء للتعامل مع موجة الحر

أكد الخبراء ضرورة اتباع استراتيجيات للتخفيف من آثار الحرارة على الصعيدين البدني والنفسي. وتشمل الإجراءات البدنية شرب كميات كافية من الماء، تجنب التعرض الطويل للشمس، تقليل النشاط البدني، وضمان التواجد في أماكن مكيفة.

أما على الصعيد النفسي، فمن المهم الاعتراف بأن هذه فترة حر شديدة، تقليل التوقعات من النفس والآخرين، والحفاظ على ضبط النفس، وتقديم مثال إيجابي للأطفال. وتضيف د. غوتمان: "القدرة على ضبط النفس مهارة يمكن تطويرها. حتى في الحر الشديد، يمكن تعلم تأجيل ردود الفعل، التفكير قبل التصرف، وإيجاد حلول تهدئ الوضع بدلًا من تصعيده."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
bokra.editor@gmail.com