عزيزنا زياد بما إنو صرت عنا بعيد، يمكننا أن نتلفن ونقول ونخرج ما في ذاكرتنا، ونستعرض المشوار الذي سرناه معا في دروب التمرد والأحلام، النجاحات والخيبات. صحيح أني لم أعرف زياد معرفة شخصية، لكن أزعم أني عرفته عن قرب من خلال فنه الذي رافقناه منذ أن وعينا على الدنيا.
منذ أن قرأت خبر رحيل الفنان زياد الرحباني، وأنا لا أكف عن التفكير بهذا الانسان المتميز والمتفرد، الذي حملت اسمه لدى ولادتي بعد عام على ولادته. وتساءلت لماذا أطلق علي والديّ اسم زياد، هل يعقل أنه في ذلك الوقت سمعا بأن فيروز وعاصي أطلقا على مولودهما اسم زياد وأسمياني زياد تيمنا باسمه، خاصة أني لا استغرب أن يكونا معجبين بالفنانة فيروز وأغانيها؟ هي فرضيات لا أساس واقعي لها.
وعندما كبرنا واتجه زياد الرحباني الى الفن لأنه ابن عائلة فنية عريقة، اتجهت نحو بناء ذاتي والاتكال على ذاتي اقتصاديا، ولمّا لم أعش في بيئة اقتصادية توفر لي ممارسة مواهبي، كتمت رغبة داخلية قوية بدراسة العزف على الكمان، تلك الآلة التي سحرتني في أيام شبابي الأولى، واستعضت عن ذلك بممارسة الموسيقى سماعا.
ربما تكون الأغنية الأولى التي سمعتها من ألحان وكلمات زياد وأدّاها الفنان جوزيف صقر، قي مرحلة الدراسة الثانوية ورافقتني لسنوات: "الحالة تعبانة يا ليلى". والتي أيقظت وعينا للفوارق الطبقية بين الناس وأنه ليس بمقدور الشاب الفقير الزواج من الفتاة الغنية بسهولة.
ولشدة تعلقي بهذه الأغنية لم أجد أفضل من اسمها لأطلقه على إحدى كتبي الناجزة للطباعة، وذلك دون علاقة لرحيله المفاجيء، فقد وقع اختياري على الاسم منذ سنة تقريبا وقرّ قراري عليه: "الحالة تعبانة.. حلول ما فيش". فالكتاب جاهز للطباعة وآمل اصداره قبل انتهاء العام الحالي.
وعندما انتقلت للعمل في سلك التعليم الملتوي، كانت أغاني زياد قد انتشرت ونالت اعجاب الناس الكبير، ومن بين تلك الأغنيات بالتحديد: "عايشة وحدا بلاك وبلا خبك يا ولد". وصادف أن كان زميلنا في المدرسة هو الفنان طه ياسين، وكثيرا ما كنا نجد أنفسنا في غرفة المعلمين ننشد تلك الأعنية، حيث يمسك طه بالعود ويبدأ بالعزف، ونشاركه نحن بالغناء وبعدها ننتقل الى أغنية أخرى فأخرى لزياد.
وفي مرحلة ثالثة كانت لنا قصة مع أغنية "مربى الدلال" التي وصفها زياد بأنها واقعية، وكيف لا تكون وقد وقعت مع أحد الأصدقاء الشخصيين والذي كثيرا ما كنا نستعيد الأغنية في جلساتنا ونعيدها ونكررها ونحن نضحك: "رحنا نكلم أبوك ويا ريتك كنت وشفتي شو قول أبوك". انها قصة صديقنا، وكل شاب يذهب ليطلب عروسا فيسأله والد العروس عن عمله، فيصرفه لأن محاميا طلب يدها ووظيفته مضمونة. أغنية تصور في سخرية ما يتعرض له العريس الفقير، فلا يسعه إلا أن يشكر والدها على استقباله له رغم رفضه له، لأنه لم يتمكن من الإجابة عن السؤال: "قال لي شو عندك وين راسمالك؟".
عزيزي زياد: تلك أغان كان لها ذكريات عينية وعينيك، وهذا لا يعني أننا لم نحب ونحفظ أغاني أخرى مثل: "ع هدير البوسطة"، "اسمع يا رضا"، "شو هالأيام"، "يا زمن الطائفية"، "تلفن عياش" بل لا نبالغ اذا قلنا بأن كل أغانيك أحببناها ورددناها.
شكرا لك زياد على ما قدمته لنا وشكرا لنا أننا استجبنا لفنك، واذا وضعنا شكرنا على شكرك، سنحتاج لطرف ثالث يفك اشتباك الشكر فيما بيننا، وبما أن الحال سيمشي فلا بد وأن نرجع ونكمل الطريق.
(شفاعمرو – الجليل)
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق