في لقاء مع موقع "بكرا"، تحدث الدكتور أحمد الخزاعي، المستشار السياسي المقيم في واشنطن العاصمة، عن واقع التعددية العرقية في إيران، وتداعياتها الداخلية والإقليمية. وأوضح أن فهم الوضع الإيراني من منظور إثني متنوع هو مفتاح مهم لفهم ديناميكياتها الداخلية وتوجهاتها السياسية الخارجية.
"إيران ليست دولة متجانسة"
استهل الخزاعي حديثه بالقول: "يخطئ الكثير من المحللين الاستراتيجيين عند اختزالهم إيران في هويتها الفارسية فقط، دون النظر إلى عمق وتنوع النسيج العرقي فيها، وهو ما يُعد خطأ تحليليًا فادحًا يشبه إلى حد كبير اختزال الاتحاد السوفييتي في القوة الروسية إبان الحرب الباردة."
وأضاف: "رغم أن الفرس يشكلون نحو نصف سكان إيران، إلا أن هناك مكونات عرقية كبيرة ومؤثرة مثل الأذريين، الأكراد، العرب، البلوش، اللور، والتركمان، الذين يحتفظون بلغاتهم وثقافاتهم الخاصة، ويقيمون في أطراف البلاد لا في مركزها."
"سياسات التهميش مستمرة منذ البهلويين"
وأشار الخزاعي إلى أن "سياسات الحكومة الإيرانية المركزية تفرض قيودًا ممنهجة على هذه الأقليات، بدءًا من منع تدريس لغاتهم في المدارس، وصولاً إلى تهميشهم سياسيًا واقتصاديًا."
وأكد أن "هذه السياسات بدأت منذ عهد البهلويين واستمرت مع الجمهورية الإسلامية، ما أدى إلى تصاعد مشاعر الغضب والاستياء لدى الأقليات."
وتابع: "خذ مثلًا محافظة خوزستان، والتي تُعرف تاريخيًا باسم المحمرة، وهي موطن للعرب الأحواز، فرغم أنها غنية بالنفط، تعاني من نقص حاد في الخدمات، وتلوث بيئي شديد، مما يدفع السكان للاحتجاج بشكل متكرر."
"الأقليات... بين السلمية والعمل المسلح"
ولفت الدكتور الخزاعي إلى أن "الاحتجاجات في مناطق الأقليات تتراوح بين مطالبات سلمية بالحقوق الثقافية، وأحيانًا تحركات مسلحة كما هو الحال في مناطق الأكراد والبلوش."
وأوضح أن "هذه التحركات تشكل تهديدًا جديًا لاستقرار النظام، خاصة في أوقات الأزمات التي قد تدفع هذه المكونات للمطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي."
"تأثير إقليمي وعلاقات مشحونة"
وفيما يتعلق بالبعد الإقليمي، قال الخزاعي: "العامل العرقي لا يتوقف تأثيره عند الداخل الإيراني، فالعلاقات الإقليمية تتأثر بشدة بهذا التنوع. مثلًا، قمع الثقافة الأذرية داخل إيران قد يؤجج التوتر مع أذربيجان، خصوصًا في ظل النزاع المستمر في ناغورنو-كاراباخ."
وأضاف: "الأمر نفسه ينطبق على الأكراد الذين تربطهم علاقات مع مجتمعات كردية في العراق، والبلوش الذين لهم امتداد في باكستان، ما يعقّد علاقات طهران مع هذه الدول."
"المعارضة لا تزال بعيدة عن الأقليات"
وعن المعارضة الإيرانية، أكد الدكتور الخزاعي أن "الفجوة بين الحركات المعارضة والنسيج العرقي الإيراني لا تزال واسعة."
وأضاف: "العديد من الحركات المعارضة، مثل الملكيين والديمقراطيين، تتبنى خطابًا قوميًّا فارسيًّا، ولا تعترف بمطالب الأقليات بحقوقهم الثقافية أو اللغوية، مما يُضعف من قدرتها على توسيع قاعدتها الشعبية."
وتابع: "رفض بعض التيارات المعارضة الاعتراف بلغات الأقليات كلغات رسمية أو حتى محلية، جعل من الصعب بناء تحالفات حقيقية بين هذه الحركات وبين مكونات المجتمع غير الفارسية."
"دعوة لإعادة التفكير في النهج الدولي تجاه إيران"
وفي ختام اللقاء، شدد الدكتور الخزاعي على ضرورة "إعادة تقييم المجتمع الدولي لطريقة تعاطيه مع إيران."
وقال: "التركيز فقط على النخبة الفارسية في طهران لا يكفي. يجب إشراك الأقليات والشتات الإيراني المتنوع في أي نقاش سياسي، سواء في الكونغرس الأمريكي أو الاتحاد الأوروبي، من أجل فهم أعمق وأكثر واقعية لإيران."
واختتم حديثه بالقول: "صحيح أن هذه النقاط قد تُستغل من بعض الدول كأدوات للضغط على إيران، مثل الولايات المتحدة أو إسرائيل، لكن من جهة أخرى، فإن التعامل مع التعددية العرقية بجدية هو السبيل الوحيد نحو بناء دولة ديمقراطية شاملة، تُعبر عن كافة مكوناتها."
bokra.editor@gmail.com
أضف تعليق